فصل: تفسير الآيات (23- 30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآيات (5- 15):

{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)}
{سَيَهْدِيهِمْ} إلى الثواب، أو سيثبت هدايتهم. {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ}.
{وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} وقد عرفها لهم في الدنيا حتى اشتاقوا إليها فعملوا ما استحقوها به، أو بينها لهم بحيث يعلم كل واحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق، أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة، أو حددها لهم بحيث يكون لكل جنة مفرزة.
{يَأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ الله} إن تنصروا دينه ورسوله. {يَنصُرْكُمُ} على عدوكم. {وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} في القيام بحقوق الإِسلام والمجاهدة مع الكفار.
{والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ} فعثوراً لهم وانحطاطاً ونقضه لما قال الأعشى:
فالتعس أولى بها من أن أقول لَعَا

وانتصابه بفعله الواجب إضماره سماعاً، والجملة خبر {الذين كَفَرُواْ} أو مفسرة لناصبه. {وَأَضَلَّ أعمالهم} عطف عليه.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ الله} القرآن لما فيه من التوحيد والتكاليف المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم، وهو تخصيص وتصريح بسببه الكفر بالقرآن للتعس والإِضلال. {فَأَحْبَطَ أعمالهم} كرره إشعاراً بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال.
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} استأصل عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم. {وللكافرين} من وضع الظاهر موضع المضمر. {أمثالها} أمثال تلك العاقبة أو العقوبة، أو الهلكة لأن التدمير يدل عليها، أو السنة لقوله تعالى: {سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ} {ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين ءامَنُواْ} ناصرهم على أعدائهم. {وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ} فيدفع العذاب عنهم وهو لا يخالف قوله: {وَرُدُّواْ إِلَى الله مولاهم الحق} فإن المولى فيه بمعنى المالك.
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} ينتفعون بمتاع الدنيا. {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} حريصين غافلين عن العاقبة. {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} منزل ومقام.
{وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هي أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ} على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه، والإِخراج باعتبار التسبب. {أهلكناهم} بأنواع العذاب. {فَلاَ ناصر لَهُمْ} يدفع عنهم العذاب وهو كالحال المحكية.
{أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} حجة من عنده وهو القرآن، أو ما يعمه والحجج العقلية كالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. {كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} كالشرك والمعاصي. {واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} في ذلك لا شبهة لهم عليه فضلاً عن حجة.
{مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} أي فيما قصصنا عليك صفتها العجيبة. وقيل مبتدأ خبره: {كَمَنْ هُوَ خالد في النار}، وتقدير الكلام أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد، أو أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد فعري عن حرف الإِنكار وحذف ما حذف استغناء يجري مثله تصويراً لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع للهوى، بمكابرة من يسوي بين الجنة والنار، وهو على الأول خبر محذوف تقديره: أفمن هو خالد في هذه الجنة كمن هو خالد في النار، أو بدل من قوله: {كَمَن زُيّنَ} وما بينهما اعتراض لبيان ما يمتاز به من على بينة في الآخرة تقريراً لإِنكار المساواة.
{فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاءٍ غَيْرِ ءاسِنٍ} استئناف لشرح المثل أو حال من العائد المحذوف، أو خبر لمثل و{ءاسِنٍ} من أسن الماء بالفتح إذا تغير طعمه وريحه، أو بالكسر على معنى الحدوث. وقرأ ابن كثير {أسن}. {وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} لم يصر قارصاً ولا حازراً. {وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ للشاربين} لذيذة لا يكون فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر وخمار تأنيث لذ أو مصدر نعت به بإضمار ذات، أو تجوز وقرئت بالرفع على صفة الأنهار والنصب على العلة. {وأنهار مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} لم يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها، وفي ذلك تمثيل لما يقوم مقام الأشربة في الجنة بأنواع ما يستلذ منها في الدنيا بالتجريد عما ينقصها وينغصها، والتوصيف بما يوجب غزارتها واستمرارها. {وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثمرات} صنف على هذا القياس. {وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ} عطف على الصنف المحذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي لهم مغفرة. {كَمَنْ هُوَ خالد في النار وَسُقُواْ مَاءً حَمِيماً} مكان تلك الأشربة. {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} من فرط الحرارة.

.تفسير الآيات (16- 20):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)}
{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} يعني المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه فإذا خرجوا {قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} أي لعلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم. {مَاذَا قَالَ ءانِفاً} ما الذي قال الساعة، استهزاء أو استعلاماً إذا لم يلقوا له آذانهم تهاوناً به، و{ءانِفاً} من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة، ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتاً مؤتنفاً، أو حال من الضمير في {قَالَ} وقرأ ابن كثير {أنفاً}.
{أُوْلَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه.
{والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} أي زادهم الله بالتوفيق والإِلهام، أو قول الرسول عليه الصلاة والسلام. {وَآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ} بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم، أو أعطاهم جزاءها.
{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} فهل ينتظرون غيرها. {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} بدل اشتمال من {الساعة}، وقوله: {فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} كالعلة له، وقرئ أن تأتهم على أنه شرط مستأنف جزاؤه: {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} والمعنى أن تأتهم الساعة بغتة لأنه قد ظهر أماراتها كمبعث النبي عليه الصلاة والسلام، وانشقاق القمر فكيف لهم {ذِكْرَاهُمْ} أي تذكرهم {إِذَا جَاءتْهُمُ} الساعة بغتة، وحينئذ لا يفرغ له ولا ينفع.
{فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلا الله واستغفر لِذَنبِكَ} أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاؤة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها وهضمها بالاستغفار {لِذَنبِكِ}. {وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريض على ما يستدعي غفرانهم، وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم وكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر، فإن الذنب له ماله تبعة ما بترك الأولى. {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في الدنيا فإنها مراحل لابد من قطعها. {وَمَثْوَاكُمْ} في العقبى فإنها دار إقامتكم فاتقوا الله واستغفروه وأعدوا لمعادكم.
{وَيَقُولُ الذين ءامَنُواْ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ} أي هلا {نُزّلَتْ سُورَةٌ} في أمر الجهاد. {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} مبينة لا تشابه فيها. {وَذُكِرَ فِيهَا القتال} أي الأمر به. {رَأَيْتَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} ضعف في الدين وقيل نفاق. {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} جبناً ومخافة. {فأولى لَهُمْ} فويل {لَهُمْ}، أفعل من الولي وهو القرب، أو فعلى من آل ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه أو يؤول إليه أمرهم.

.تفسير الآيات (21- 22):

{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}
{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} استئناف أي أمرهم {طَاعَةٌ} أو {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} خير لهم، أو حكاية قولهم لقراءة أُبيّ {يقولون طاعة}. {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} أي جد وهو لأصحاب الأمر، وإسناده إليه مجاز وعامل الظرف محذوف، وقيل: {فَلَوْ صَدَقُواْ الله} أي فيما زعموا من الحرص على الجهاد أو الإِيمان. {لَكَانَ} الصدق. {خَيْراً لَّهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ} فهل يتوقع منكم. {إِن تَوَلَّيْتُمْ} أمور الناس وتأمرتم عليهم، أو اعرضتم وتوليتم عن الإِسلام. {أَن تُفْسِدُواْ في الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} تناحراً على الولاية وتجاذباً لها، أو رجوعاً إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور ومقاتلة الأقارب، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم: هل عسيتم، وهذا على لغة الحجاز فإن بني تميم لا يلحقون الضمير به وخبره {أَن تُفْسِدُواْ} و{إِن تَوَلَّيْتُمْ} اعتراض، وعن يعقوب {تَوَلَّيْتُمْ} أي إن تولاكم ظلمة خرجتم معهم وساعدتموهم في الإِفساد وقطيعة الرحم {وَتُقَطّعُواْ} من القطع، وقرئ: {تقطعوا} من التقطع.

.تفسير الآيات (23- 30):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}
{أولئك} إشارة إلى المذكورين. {الذين لَعَنَهُمُ الله} لإِفسادهم وقطعهم الأرحام. {فَأَصَمَّهُمْ} عن استماع الحق. {وأعمى أبصارهم} فلا يهتدون سبيله.
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي. {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر، وقيل: {أَمْ} منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير، وتنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو للإِشعار بأنها لإِبهام أمرها في القساوة، أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة. وقرئ: {إقفالها} على المصدر.
{إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم} أي ما كانوا عليه من الكفر. {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} بالدلائل الواضحة والمعجزات الظاهرة. {الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ} سهل لهم اقتراف الكبائر من السول وهو الاسترخاء. وقيل حملهم على الشهوات من السول وهو التمني، وفيه أن السول مهموز قلبت همزته واواً لضم ما قبلها ولا كذلك التسويل، ويمكن رده بقولهم هما يتساولان وقرئ: {سَوَّلَ} على تقدير مضاف أي كيد الشيطان {سَوَّلَ لَهُمْ}. {وأملى لَهُمْ} ومد لهم في الآمال والأماني، أو أمهلهم الله تعالى ولم يعاجلهم بالعقوبة لقراءة يعقوب {وَأمْلِي لَهُمْ}، أي وأنا أملي لهم فتكون الواو للحال أو الاستئناف، وقرأ أبو عمرو {وَأمْلِي لَهُمْ} على البناء للمفعول وهو ضمير {الشيطان} أو {لَهُمْ}.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله} أي قال اليهود للذين كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام بعدما تبين لهم نعته للمنافقين، أو المنافقون لهم أو أحد الفريقين للمشركين. {سَنُطِيعُكُمْ في بَعْضِ الأمر} في بعض أموركم أو في بعض ما تأمرون به كالقعود عن الجهاد والموافقة في الخروج معهم إن أخرجوا، والتظافر على الرسول صلى الله عليه وسلم. {والله يَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ} ومنها قولهم هذا الذي أفشاه الله عليهم، وقرأ حمزة والكسائي وحفص {إِسْرَارَهُمْ}على المصدر.
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة} فكيف يعملون ويحتالون حينئذ، وقرئ: {توفاهم} وهو يحتمل الماضي والمضارع المحذوف إحدى تاءيه. {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} تصوير لتوفيهم بما يخافون منه ويجبنون عن القتال له.
{ذلك} إشارة إلى التوفي الموصوف. {بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله} من الكفر ككتمان نعت الرسول عليه الصلاة والسلام وعصيان الأمر. {وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} ما يرضاه من الإِيمان والجهاد وغيرهما من الطاعات. {فَأَحْبَطَ أعمالهم} لذلك.
{أَمْ حَسِبَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن يُخْرِجَ الله} أن لن يبرز الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. {أضغانهم} أَحقادهم.
{وَلَوْ نَشَاءُ لأريناكهم} لعرفناكهم بدلائل تعرفهم بأعيانهم. {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} بعلاماتهم التي نسمهم بها، واللام لام الجواب كررت في المعطوف. {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القول} جواب قسم محذوف و{لَحْنِ القول} أسلوبه، أو إمالته إلى جهة تعريض وتورية، ومنه قيل للمخطئ لاحن لأنه يعدل بالكلام عن الصواب. {والله يَعْلَمُ أعمالكم} فيجازيكم على حساب قصدكم إذ الأعمال بالنيات.